الكلمات كثيرة، والالفاظ متنوعة، والتعبير واسع، غير أنّ من البلغة النافعة، والبيان الناصع الناصح، ألّا يتعرّى بالبذاءة وألّا يتكشف بالإساءة .
أما من استقذى، وآثر السوء واستملى، وبغى واستطال بغير حق، وعاجل الناس بألفاظه النابية، وأسلم قيادَهُ لسلاطة لسانه، فقد عرّى لفظه، وغرف من قلبه ما انستر، وأبان ما يُكنّه فؤاده من قذر.
الله يقول ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) وهو يقول لأخيه التي هي أخشن ..!
الله يقول ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) وهو يتبغض لإخوانه بغليظ القول واللفظ ..!
بعضهم يحمل القرآن ماهر به يجمعه وفي كل محفل يردّده ويقرؤه ولكنّه لا يجاوز ترقوته ، وكم من قاريء للقرآن والقرآن بريء من قيله وفعله .
ومن استجلب الخير فقد عفّ واستعفّ، وكان منطقه عذبا، وكلماته سلسبيلا، وألفاظه كُسيت بثيابٍ سندسٍ خضر وإستبرق .
قال من وسع بأخلاقه العالمين صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ( كفّ عليك هذا ـ وأشار إلى لسانه ـ ) ولمّا سأله معاذ رضي الله عنه : وهل نحن مؤاخذون بما نتكلّم به ؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ( ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ).
نحن مسؤولون أن نلتئم ولا نتفرّق، وأن نمد الجسور لا أن نهدمها، وان تعلو نفوسنا لا أن تستنقع في وحل الفحش والقطيعة، ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ).
أي معنى ونحن نقرأ توجيه ربنا: ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة ) ونحن ندفع بالسيئة التي يسوغ فيها التأويل الحسن...!
ليتنا نتعامل مع بعضنا كتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه .
إنّ الدعاوى بالالتزام بالخير والهدي النبوي كثيرة ولكنّها تحتاج إلى بيّنات تثبتها،
والدعاوى إن لم يقيموا عليها *** بيناتٍ أبناؤها أدعياءُ
لنتحلى بالرفق ( يا عائشة من حرم حظه من الرفق حرم حظه من خير الدنيا والآخرة )، ولنتجمّل باللفظ الحسن، وليكن لَبُوسنا التقوى في الفاظنا، وأن لا نكون من (عُراة الألفاظ ..! )، وأن نأتي للناس بالصفاء والنقاء والرحمة، حتى يحبّنا الله ويرحمنا ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ومن أبى إلا التغوّل في الأنا، والتطاول على النّاس بالسوءى، وأناخ الحسد فيه مطاياه، فإن الله لن يصلح عمله، ولن يهديَ له طريقا.
إنّنا في واقع تواصلنا عبر أنواع برامج التواصل الإجتماعي وأكبرها ما يسمى ( الواتس أب ) نرى أحيانا بونا شاسعا في التعامل بيننا وتعرّ من بعضنا لألفاظه، ناجم عن عدم إدراك وفهم وتطبيق لما جاء به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من التعاون والتراحم والتلاحم، فالتراشق بالكلمات غير المنضبطة وغير المسؤولة تقزّم من اصحابها وغن تعالوا..! وتجهز على القبول وإن جُومِل،( ن شر الناس عند الله مَنْزِلة يوم القيامة من تركه الناس اتِّـقاء شَرِّه ) وأسْوِءْ بهذا عقوبةً ..!
ينبغي أن نكون رحماء أذلاء بيننا، أولياء لبعضنا ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )، فمتى أدركنا هذه الحقيقة، واعتذر بعضنا لبعض، وأعذر بعضنا بعضا، وظن باخيه الظن الحسن، وكظم غيظا وهو قادر على إمضائه، فقد نال خيرا، وكان له من الله الجزاء الاوفى ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ).