بعضهم يستهويه التقاتل مع النفس ، والتطاحن مع الذات، والانفصام مع الحياة، والتناحر مع مقومات السعادة وراحة البال والضمير.
يشرق بالظنون البائسة السيئة، وتستنزف عافيته آصار الغل والأحقاد، وتحتوشه أوهام التآمر والتوجُّس، وتقتل أخلاقه تمنّي زوال الخير أن يناله الغير.
عزل قلبه، وأوصد عقله، وباع روحه لحالق الحسنات .
ولو علم الله فيه حدبا وحرصا وحبا وصدقا وظنا حسنا لأسمعه وحباه وبارك فيه وهداه ، ولكنه أَخْلَد إلى خبال، واتبع هواه، فحاله يرثى، وأمره لا يسر صديقا، ويسعد عدوا .
يكتنز هفوات إخوانه فيجعلها شواهق حاجزة ، فلا تسمع إلا ضبحا ، ومار بأخيه قدحا ، وقد أثارها نقعا وأوسطها بالذم جمعا .
وإذا قيل له اتق الله ! وأحسن كما أحسن الله إليك خَلْقاً ورزقا، وحباك منه فضلا وأمنا، كأنه يرددها بين جنبات كبريائه، وزفرات دواخله: ( إنما أوتيته على علم عندي) وجَلَدٍ مِنِّي، وخبرة في الحياة مديدة ، فقطّع أرحامه، وأوصد على الناس إحسانه، وبارز الله بالتبغض لعباده .
أسلم القياد لفاقد ، وحبس نفسه لوائد، واشترى الضنك يشرب منه علقما في طباق ملوث، فباء وخسر، وتعدى وظلم، وسعى في الأرض مفسدا يهلك الحرث والنسل، ويقتات على العداء والاعتداء، فحاله حال من يلعق السراب بقيعة، أو يشرب الأجاج ليرتوي .
ولو تدارك نفسه وجعل من شهره هذا المبارك قبسا يضيء له سلامة الطريق من خطئه، ويبدد له أوهامه، ويكتشف ضلاله، ويهتدي إلى رشده، ويعلم أن الحياة لا يعمرها الحسد، والبقاء لا يساق بالانتحار ، والسعادة لا تشترى بالجَهَام، لأفلح ونجا وبرّ وتطهّر.
حقيق أن يعي كل من ابتلي بشيء من هذه القاذورات أن يكنسها ويقمّها ويغسل ما علق في قلبه منها، فالحياة قصيرة والعمر قد يؤخذ في حين غرّة .
ولن يجد واحة عيشه وراحة نفسه وبحبوحة مناه إلا بسلامة صدره من الحقد والغل والحسد .
وحينها يكتب على جبين فؤاده فرحا يومئذ بسعادة صدره :
حينما يُشرِقُ بالودّ..!!