التناقضات التي نستسيغها في حياتنا دون اكتراث أو وقفة تبصّر وانتباه تجعل منا أناسا غير أسوياء ولا عقلاء ولا أصحاب مباديء سامية، بل تجسد فينا الأنانية المقيتة، والمعايير المزدوجة، وتجعلنا نسير مسير الثعابين المتعرجة !.
خذ مثلا: عندما تنتقد شخصا ما، وتبصّره بعيب فيه، وتريده أن ينصت إليك، ويستجيب لنقدك، ويسترشد بطريقتك، ويستمع إلى قولك فأنت ذو علم وفهم وإدراك وبصيرة فيما تظن ؟!! وإن غضب منك جعلته إنسانا أحمقا لا يحب الناصحين ولا يقبل التطور والبناء !! وحين تكون أنت المنقود؛ تجد لنفسك المبررات، وتقنع نفسك قبل ناقدك بمعاذيركثيرة، وأنك إنما قمت بهذا لكذا وكذا، بل ويحصل في نفسك من اللوم والعتب على منتقدك الشيء الكثير، وقد تجعله في خانة المغضوب عليهم، وفي القائمة السوداء الذين تحظرهم ،،
إن القلب الحي والعقل الراجح والفكر المستنير يجعل مساره مسارا واحدا ووجهه وجها واحدا ( وليأتِ إلى الناس الذي يُحِبّ أن يُؤتَى إليه ) وليخاطب الجميع بمثل ما يريد أن يخاطبوه به وليدفع السيئة والخطأ من الناس بالحسنة والحسنى ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة ) .
أي خلق يحمله رجل يقطع الإشارة مثلا ثم ينسى فعلته فإذا رأى شخصا يقطع الإشارة أقذعه سبابا وشتما وانتقاصا !!.
أي عقل مستبصر يحمله رجل يرمي بالنفايات من سيارته ثم ينسى ما قام به ويرى آخر قد قام بمثل فعله فيقول في نفسه أو لمن بجانبه: انظر لهذا السفيه الذي لا يعرف معنى الحضارة والنظافة والرقي يرمي بالقاذورات والنفايات في قارعة الطريق ؟!!!
أي خلق يحمله من يبادر عند الغضب بعبارات ملؤها الفظاظة والغلظة، وألفاظ نابية بذيئة، مستسلما لغضبه غير مكترث لمطالب من يهدؤه ويراجعه ويدعوه بالتعوذ من الشيطان الرجيم، ثم ينسى ويحصل نفس الموقف لآخر، فيراه إنسانا غير سوي الطباع، وقليل الأدب وضيق الصدر ؟!!
إن هذه التناقضات نعايشها نحن مع أبنائنا وأزواجنا وجيراننا وزملائنا وأصدقائنا ( وقروباتنا ..! ) ووسائل التواصل الاجتماعي بكل أشكاله وصوره، مما يدفعنا أن نُعمِل مبضع الجراح لتصرفاتنا، وأن نغوص في أعماقنا، ونستلَّ منها رداءات الأخلاق، وأدواء التناقض، ونستأصل منها الأنانية التي تجعلنا دائمي الغشاوة لا نبصر أعمالنا ..
والفلاح والصلاح والإصلاح يبدأ من دواخل أنفسنا والله يقول ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ،،
إنها ومضة لو تأملناها لانداح ما يعرونا من أخلاط الغشاوة التناقضية، ولأصبحنا نسمو ونرتقي بالهدى والخير والنور، ونأتي إلى الناس كل الناس بمثل ما نحب أن نؤتى ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ..